Page 24 - نشرة زاجل الإلكترونية - العدد 56 - كانون الثاني / يناير 2022
P. 24
24 العدد - 56كانون الثاني /يناير 2022
zajel@dohainstitute.edu.qa
أقلام
الجهل بالشيء ليس معرفة
منى بابتي الجهــل بالــيء ليــس معرفــة ،والعلــم بالــيء ليــس جهــاً ،هــذا مــا
تعلمتـه مـع مـدربي اليابـاني - ،الـذي كان لـه الفضـل الأول – في أن أختـار
•مدربة بمركز الامتياز للتدريب والاستشارات العمــل في مجــال التدريــب ،وربمــا أســتطيع القــول إن الحيــاة المهنيــة
حــول الطــاولات الدائريــة ووراء المكاتــب الخشــبية ،أثبتــت لي صحــة مــا
وبينــا كانــت الــدورة قــد شــارفت عــى نهايتهــا ،أتــاني ذلــك المــدرب ، أخـرني بـه ،فنحـن – وللأسـف إن كنـا مطلعـن عـى فكـرة ،معلومـة.... ،
ووضـع بـن يـدي كتابًـا بعنـوان " فلنرتكـب حماقـة " ،في بـادى الأمـر ظننـت اعتبرناهـا معرفـة لا جـدال حولهـا ..وإن جهلنـا أمـ ًرا أو معلومـة ..أدرجناهـا
أنـه هديـة ،ولكنـه باغتنـي قائـاً ":غـ ًدا سـتقدمين لي ملخصـا موجـ ًزا عـن في خانــة الجهــل ..وأســبغنا عــى صاحــب المعرفــة اتهامــات بالجهــل..
الكتـاب " ،بـدا الأمـر لي مهمـة شـبه مسـتحيلة ،ولكننـي لم أشـأ أن أظهـر فقــط لأننــا لا نعلمهــا ..والأمــر أشــد بســاطة مــن ذلــك بكثــر ..فالواقــع
ضعيفـة ،سـهرت الليـل أقـرأ الكتـاب ،ولم أتوقـف لحظـة عـن المتابعـة على الحقيقــي هــو" :إن علمــت شــيئًا فقــد غابــت عنــك أشــياء " ..وبالتــالي
الرغـم مـن حاجتـي للنـوم ،فالتدريـب كان يبـدأ مـع الشـمس ،وينتهـي مـع فالعلـم بالـيء مـن أحدهـم ليـس جهـا ً ،ننسـبه لصاحبـه ،وننكـره عليـه،
القمــر ،وكنــا نخضــع لســاعات مطولــة مــن الأنشــطة التدريبيــة لاكتســاب ونصـب ّعليـه جـام غضبنـا ،مدعـن ،أننـا نعلـم أكـر مـن غيرنـا ...والجهـل
أكـر قـدر مـن التطبيقـات دون أن نمنـح الوقـت الـكافي للراحـة ،ولكننـي بالــيء مــن قبلنــا ليــس معرفــة ،وكأننــا نعلــم مــا لا يعلمــه ســوانا ...
جاهـدت التعـب والنـوم ...كي أكـون جاهـزة مـع إشراقـة الشـمس . وننكــر وجــود مــا لا نعلمــه.
وهنـاك توسـطت القاعـة ،وقفـت هادئـة صامتـة بانتظـار إشـارة البـدء ،وما كنـت لا أزال في بدايـات حيـاتي المهنيـة ،عندمـا تـم اختيـاري لأكـون أول
أن نظــر في عيــوني موحيًــا لي بإيمــاءة بســيطة بالبــدء ،حتــى انطلقــت مدربـة لبنانيـة تخـرق سـاحات المدربـن اليابانيـن للمشـاركة معهـم في
أتحـدث بطلاقـة – لم أعهدهـا في نفـي – محاولـة تلخيـص الكتـاب في دورة – ليـس بصفتــي مدربــة ،وإنمـا بصفتــي المتدربــة ، -مــا زلــت أتذكــر
مـدة لا تتجـاوز العـر دقائـق ...الـكل كان يبـدو مبتسـ ًا ،يسـتمع الى مـا حتــى يومــي هــذا ،وأنــا اجمــع وريقــاتي المبعــرة عــن مكتبــي الصغــر
اكتســبته في ســاعات الليــل مــن معلومــات جديــدة ...وكنــت أتنقــل بــن في بيتـي الدافـئ آنـذاك ،كيـف كنـت أختـار أقلامـي ،وأوراقـي ،والزهـو
محطــاتي الفكريــة محاولــة الإلمــام بكافــة التفاصيــل ،فالكتــاب لم يكــن في داخــي يقفــز فر ًحــا ...هام ًســا في أذني " لقــد فعلتهــا ح ًقــا ...وتــم
بحــوزتي ،وكان يتوجــب عــ ّي أن أقــدم ملخ ًصــا متكامــ ًا عــا قرأتــه دون
اختيـاري " .
نسـيان أيـة نقطـة ،أو شرح خاطـئ لفكـرة مـا . وحطـت الطائـرة بي عـى أدراج ذلـك المطـار ،لم أكـن أمـي بـل كنـت أطير
ومــع الدقائــق الأخــرة وبينــا كنــت قــد شــارفت عــى النهايــة ،هــ ّب ...كنـت أشـعر بفرحـة لم أتمكـن حتـى يومـي هـذا مـن اسـتعادة طعمهـا...
أحدهـم واق ًفـا ،وبـدأ يتحـدث ناقـ ًدا وموجهـاً لي مجموعـة مـن الكلـات ونزلـت ...وقفـت هنـاك أبحـث عـن وجـه يرمـي التحيـة عـ ّي ...عـن باقـة
القاســية بصــوت ممــزوج بالغضــب والســخرية ،وبــدأ الجميــع بالابتســام ، ورد تنعـش أنفـاسي السريعـة ،عـن كـوب مـاء يـروي ظـأ فمـي ،عندمـا
لقـد أنكـر عـي معرفتـي ،وأخـرني بـكل صراحـة أننـي لم أفهـم شـيئًا، بـدأت الدقائـق تمـر ...ولا أحـد أتى ليسـتقبلني ....وكان هـذا هـو الـدرس
وأن المعلومــات التــي سردتهــا مــا زادتنــي إلا جهــ ًا ،في تلــك اللحظــة الأول ....طأطــأت رأسي وجــررت محفظتــي الزهريــة اللــون التــي انطفــأت
سرت دموعــي كالســيل عــى وجهــي الصغــر ،توقفــت عــن التنفــس ألوانهــا الفرحــة ،كــا انطفــأت الفرحــة في عيــوني ...وجلســت هنــاك
محاولـة إقنـاع نفـي التـي لامسـها الغـرور ،أنهـم قادمـون ..وبعـد مـا
لدقائــق ،وهرعــت هاربــة محاولــة الخــروج . يناهـز السـاعة ،وجـدت رجـاً يحمـل اسـمي باللغـة الإنكليزيـة ويدعـوني
وقـف أمامـي المـدرب اليابـاني ،نظـر في عيـوني للحظـة ،وقـال بصـوت
مرتفــع ":امســحي دموعــك بمعرفتــك " ،وعندمــا انســكبت المزيــد مــن للسـر خلفـه بعـد ابتسـامة بسـيطة.
الدمـوع ،أمسـك بيـدي ودفعنـي بقـوة للعـودة الى مـكاني ،ثـم قـال ، وسرت وراء ذلــك الرجــل صامتــة ،ولم أعلــم كيــف مــرت ليلتــي الأولى
وهـو يشـد على يـدي مسـب ًبا لي الألم ":سـتجدينهم في كل دروب الحياة ،ولكننــي تعلمــت الــدرس جيــ ًدا " أنــت لســت مختلفــة ،فلــم تظنــي أنــك
،في زوايـا القاعـات ،وراء المكاتـب الخشـبية ،وحـول طـاولات المناقشـات تسـتحقين معاملـة مختلفـة ؟" ومـا إن أشرقـت الشـمس ،حتـى كنـت مـن
،سـيعمدون لتدمـر عقلـك ،سـيبترون أجـزاء مـن المعرفـة في داخلـك ، أولى المتدربـات الجالسـات في الغرفـة ،كل شيء كان بسـيطًا ،مجموعـة
ولكـن احـذري البـكاء ،فالدمـوع سـتمحو قسـات العلـم والمعرفـة عـن مـن أوراق بيضـاء منظمـة بطريقـة ألفبائيـة جميلـة ،وقلـم رقيـق جميـل
وجهـك ،وإعلامـي أن وصفـك بالجهـل لأنهـم لا يعلمـون مـا تعلمـن لـن
يزيدهـم معرفـة ،اسـتقيمي يـا " فتـاة " ولا تجزعـي مـا زلـت في البدايـات ،لا شيء آخــر ...
،والجهـل بالـيء ليسـت معرفـة تضـاف لهـم ،والعلـم بالـيء ليـس وكان هـذا الـدرس الثـاني " العلـم والمعرفـة لا يحتـاج الى أكـر مـن ورقـة
وقلــم ،فقــط لا شيء أكــر “ ،وبــدأت رحلتــي في مجــال التدريــب ،هنــاك
جهـ ًا تنعتـن بـه " اختلفـت جميـع المقاييـس ،باتـت المعـارف كالغـذاء اليومـي تتـرب الى
غــادرت مــكاني عائــدة الى بيتــي الدافــئ مجــد ًدا مــع وجهــي الجديــد، أدمغتنــا ،فتشــحذها بمزيــد مــن القيــم والآداب ....وبــدأ وجهــي يصبــح
وسرت في حيـاتي ،في كل يـوم أغـرف مـن عـالم المعـارف معلومـة أو أكـر حـاوة ،فكلـا ازددنـا معرفـة ،ازددنـا جـل ًا وأدبـا ....هـذا مـا علمنـي
فكـرة ...فـأزداد تواض ًعـا وأدبـا ...ومـا زلـت أؤمـن – حـن جلـوسي معهـم – إيـاه مـدربي اليابـاني في جملـه ،مواقفـه ،تدريباتـه ...نحـن نتطـور لنصبـح
أن الجهـل بالـيء ليـس معرفـة ،والعلـم بالـيء ليـس جهـ ًا. أفضـل ...لا شيء آخـر .