Page 25 - نشرة زاجل الإلكترونية - العدد 53 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
P. 25

‫‪25‬‬                                                                                ‫العدد ‪ - 53‬تشرين الأول ‪ /‬أكتوبر ‪2021‬‬
                                                                                   ‫‪zajel@dohainstitute.edu.qa‬‬
               ‫أقلام‬

                                                                                  ‫ال ُهوية والوعي باللغة‬

                                                      ‫رولا القطّاوي‬               ‫لأن العلــ َم والثقافــ َة َل يُ ْســتَ ْنبتا ِن في أر ٍض بغــ ْر لســانِها؛ كان‬
                                                                                  ‫لا بــ ّد ِمــ ْن الو ْعــي باللغــ ِة با ْع ِتبارهــا أكــ َر العنــاص ِر تعبــ ًرا عــن‬
                          ‫	•خريجة برنامج ماجستير اللسانيّات والمعجميّة العربيّة‬   ‫ال ُهويـة‪ ،‬ذلـك أنّهـا تمخضـت عـن المـاضي‪ ،‬وتُعا ِيـش الحـاضر بـ ُك ّل‬
                                                                                  ‫تفاصيلــه‪ ،‬كذلــك تعــر عــن الاتجاهــات والطموحــات المطروحــة‬
‫وهــي كذلــك حيــث إنهــا أحــد المكونــات الرئيســية التــي تعــرف‬               ‫في المســتقبل‪ ،‬فضــ ًا عــن كونهــا الحا ِضــن الأَول للحضــارات عــى‬
‫بهــا الجماعــات والأفــراد وهــي بالتــالي تســاهم في التشــكيل‬                  ‫اختلا ِفهــا‪ ،‬وشــاهد عيــان عــى تاريــخ الأمــم ومجريــات أحداثهــا‪،‬‬
‫الهويــاتي لهــم‪ ،‬وتؤثــر أيضــا عــى العلاقــات بــن المجموعــات‬                 ‫وهــي بهــذا لا تنفــك عــن كونهــا رمــز هويــاتي يــؤول بعــد ذلــك‬
‫العرقيــة المختلفــة‪ .‬وفي ســياق الحديــث عــن الهويــة ربــط‬
‫أندرسـون في كتابـه (الجماعـات المتخيلـة) بـن الهويـة والمخيـال‪،‬‬                                                 ‫إلى اعتبــاره جــز ًءا مــن خطــاب عالمِــي‪.‬‬
‫وأوضـح أ ّن مصطلـح الجماعـة لديـه لا يُقصـد بـه الدلالـة المتعـارف‬                ‫َولا شــ َك أ ّن العلاقــة بــن اللغــة والهويــة هــي علاقــة ضروريــة‬
‫عليهـا‪ ،‬بـل كان القصـد مخيـال تلـك الجماعـة والـرؤى التـي تتبناهـا‬                ‫بالمعنــى المنطقــي لمصطلــح الــرورة؛ بنيويــة موضوعيــة‬
‫(أندرســن‪ ،2014 ،‬ص‪ ،)15-16‬وبهــذا نلمــس الارتبــاط الوثيــق بــن‬                 ‫مسـتقلة عـن الرغبـات والأهـواء والتوجهـات‪ ،‬ويمكـن القـول إنهـا‬
‫الهويــة والســياقات الثقافيــة والقوميــة والاجتماعيــة والفكريــة‬               ‫علاقــة أ ْن يكونــا م ًعــا أو لا يكونــا‪ ،‬فالاختيــار بــن أن ترتبــط الهويــة‬
                                                                                  ‫باللغـة أو لا ترتبـط غـر موجـود أصـ ًا‪ ،‬إذن العلاقـة بينهـا مصيريـة‬
                                                                       ‫أي ًضــا‪.‬‬  ‫حتميّـة‪ ،‬لا سـيما أ ّن اللغـة دلالـة وجـود وكينونـة‪ ،‬ولا مجـال فيهـا‬
‫إذ إن ال ُهويَّــة مصطلــح تتمحــور دلالاتُــه حــو َل الــذات والحقيقــة‬
‫والماهيــة‪ ،‬فالهويــة ليســت قيمــة مجــردة في ذاتهــا‪ ،‬أو فيــا‬                                                                          ‫للإنــكار أو الاختيــار‪.‬‬
‫تصنعــه مــن شــعور بالخصوصيــة‪ ،‬وإنمــا تتمظهــر قيمتهــا‬                        ‫وتــأتي العلاقــة الأصيلــة بــن اللغــة والهويــة في ضــوء هيكلــة‬
‫حينــا تتوفــر فــرص حقيقيــة في ســبيل التقــدم وصناعــة الــذات‬                 ‫اجتماعيــة أسا ًســا‪ ،‬تبــدأ باكتســاب الفــرد اللغــة نتيجــة لاختلاطــه‬
‫وبلورتهـا‪ ،‬وقـد تكـون "ال ُهويَّـة" جزئيـ ًة يسـرة خا َّصـة بـيء‪ ،‬أو‬              ‫مــع أقرانــه مــن البــر‪ ،‬حيــث تتجــى مــن خــال النشــاط الفعــي‬
‫إنسـا ٍن بعينـه‪ ،‬وقـد تكـون كل َّيـة مركَّبـة‪ ،‬خا َّصـة بجماعـة أو شـعب أو‬        ‫للمتكلــم‪ ،‬باعتبارهــا نظامــا متناســقا مــن العلامــات المتمايــزة‬
‫أُ َّمـة معينـة‪ ،‬وكلَّـا اتسـعت الهويَّـة بمفهومهـا العـام ستشـمل‬                 ‫فيــا بينهــا‪ ،‬وهــي موجــودة في أذهــان الجماعــة الناطقــن‬
‫بالــرورة أفــرا ًدا أكــر؛ وعليــه ســتكون العلاقــة أكــر تعقيــ ًدا‬            ‫بهــا جميعهــم (‪ ،)Sanders, 2004‬بنــاء عــى ذلــك ســتكون اللغــة‬
‫وتشـاب ًكا؛ لأنَّهـا بطبيعـة الحـال تـؤول للتعبـر عـن الأفـراد ورؤاهـم‬            ‫ظاهـرة اجتماعيـة‪ ،‬وخـر دليـل عـى ذلـك أننـا حـن نريـد أن نحكـم‬
                                                                                  ‫عـى فـرد أو جماعـة؛ نُسـقط ذلـك الحكـم بأنهـم مـن بلـد كـذا أو‬
      ‫بتصــ ّور أكــر عم ًقــا وارتباطــا بالمصالــح والغايــات الجمعيــة‪.‬‬        ‫مـن قبيلـة كـذا بنـاء عـى لغتهـم التـي يتكلمـون بهـا‪ ،‬وليـس هذا‬
‫مــن خــال مــا تقــ ّدم نســتطيع القــول إ ّن اللغــة ترتبــط ارتباطًــا‬         ‫فقـط‪ ،‬إنمـا في اللغـة تعبـر عـن خلجـات النفـس وأفـكار العقـل‪،‬‬
‫وثي ًقـا بالهويـة القوميـة للجماعـة‪ ،‬وأيّـا كان الوضـع السـياسي أو‬                ‫وحقيقـة الأمـر أ ّن جوهـر الإنسـان لغتـه‪ ،‬وبالتـالي إ ّن الجـواب عـن‬
‫الاجتماعــي؛ فــإن اللغــة هــي الدليــل الأكــر عــى اتصــال الأفــراد‬
‫بهوياتهـم القوميـة والوطنيـة‪ ،‬فاللغـة لا تنفـك عـن كونهـا رمـ ًزا‬                             ‫ســؤال ماهيــة اللغــة هــو جــواب عــن ماهيــة الإنســان‪.‬‬
‫وهويـة يتميـز بهـا الفـرد عـن غـره‪ ،‬فأينـا ُوجـدت اللغـة؛ سـنجد‬                   ‫تأ ّصلــت علاقــة اللغــة والهويــة القوميــة في نهايــة القــرن‬
                                                                                  ‫التاسـع عـر مـع قـدوم (‪ )Shohamy‬إذ إنـه يتخـذ مـن اللغـة أحـد‬
                                                          ‫الهويــة حــاضرة‪.‬‬       ‫أهــم مــؤشرات الهويــة الفرديــة والجمعيــة (‪.)Shohamy, 1996‬‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30