Page 29 - نشرة زاجل الإلكترونية - العدد 53 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
P. 29

‫‪29‬‬                                                                     ‫العدد ‪ - 53‬تشرين الأول ‪ /‬أكتوبر ‪2021‬‬
                                                                        ‫‪zajel@dohainstitute.edu.qa‬‬

    ‫الفكـرة كلّهـا أن تسـتغرق في السلاسـة حتّـى تتهادى‪/‬‬                ‫هنـاك وذهـب لاسـتقبال طـ ّاب آخريـن‪ ،‬تركني أمـام هذه‬
    ‫بعنفــوان في ديالكتيــك الانكفــاءة والانــراح‪ ،‬تنكفــئ‬
                                                                       ‫الحـروف وأنـا ُمحـ ّب الأبجديّـة‪ ،‬مثلـا يُـرك طفـ ٌل عابـ ٌث‬
    ‫بالنقــد والاشــتغال والدراســة الذات ّيــة ثــ ّم التطويــر‪،‬‬      ‫أمـام لُعبـة تركيـب ُمسـتف ّزة‪ ،‬لا أذكـر جيّـ ًدا كـم ُمفـرد ًة‬
    ‫وتنـرح لتشريـح موضوعك‪/‬الآخـر بالملاحظة والاشـتباك‬                  ‫أحصيـت مـن الجمـع التقاطعـ ّي والمنتظـم‪ ،‬لك ّننـي أذكـر‬
                                                                       ‫جيّــ ًدا أ ّن جميــع الكلــات كانــت قــد اتّفقــت عــى رســم‬
                            ‫والاستســبار والمقارنــة والتحليــل‪.‬‬
                                                                                                                        ‫صــورة واحــدة‪.‬‬
    ‫هكــذا أجــد الأمــر وأراه‪ ،‬أو هكــذا أحــ ّب أن أراه! متغاضيًــا‬
    ‫عـن ضغـط أيّـام تسـليم التكليفات‪ ،‬وشاشـات الحواسـيب‬                ‫اليـوم بعـد عامـن‪ ،‬أرى طال ًبـا آخـر يقـود طال ًبـا إلى ذلك‬
    ‫المصط ّفـة ِقبالـة المبنـى الأكاديمـ ّي؛ لتـيء الهزيـع‬             ‫الجــدار‪ ،‬أراقبهــا مــن خلــف زجــاج المكتبــة‪ ،‬أحدهــا‬
    ‫الأخــر مــن ليلــة التســليم‪ ،‬أســمع جيّــ ًدا معزوفــات‬
    ‫لوحــات المفاتيــح‪ ،‬التــي تضــ ّج بهــا زوايــا المعهــد‪ ،‬ك ٌّل‬   ‫يبتعــد تــار ًكا ذلــك الأنــا الآخــر يدغــدغ راحــة التاريــخ‪،‬‬
    ‫حسـب نوتتـه الخا ّصـة‪ ،‬أحدهـم يعـزف نوتـة عنوانهـا "أثـر‬
    ‫المنــاخ في الإنتــاج الفكــر ّي"‪ ،‬وأخــرى تعــزف "الترجمــة‬       ‫والتاريـخ يبتسـم بـذات الرتابـة التـي تب ّسـم لي بهـا قبـل‬
    ‫المتعـ ّذرة للانزيحـات الدلال ّيـة في شـعر مظ ّفـر النـ ّواب"‪،‬‬                                                               ‫عامــن‪.‬‬
    ‫وهــذا يعــزف نوتــة تعتمــد نظريّــة التأطــر‪ ،‬وغــره لا‬
    ‫يعـرف أن يعـزف إ ّل نوتـة إثنوغرافيّـة‪ ،‬وغيرهـم يـأبى أن‬           ‫ِشــعريّة المــكان تطغــى عــى ك ّل شيء‪ ،‬ال ِشــعريّة‬
                                                                       ‫بأثوابهـا الحزينـة الرثّـة‪ ،‬الخاليـة مـن الألـوان الاحتفال ّيـة‬
                      ‫يقفــز مــن ذاكــرتي إلى هــذه الســطور‪.‬‬         ‫والزركشــة‪ ،‬كأ ّن هــذا المــكان يخبرنــا أنّــه ليــس عالمًــا‬
                                                                       ‫لل ُمثــل‪ ،‬وإ ّنــا ســانح ٌة تلاقحــت فيهــا أفــكار وسرديّــات‬
    ‫هـذا مـا أراه باختصـار‪ ،‬أ ّمـا أنـت يـا من تـركك صاحبـك أمام‬       ‫لا يمكــن أن تلتقــي ك ّل عــام إ ّل في ســانحة كهــذه‪،‬‬
    ‫الجـدار‪ ،‬فـا أو ّد أن أصـادر ح ّقـك في وضـع الخيـارات‪ ،‬لكن‬         ‫فالمعهــد ‪-‬بوصــ ٍف أد ّق‪ -‬ليــس مكانًــا‪ ،‬وإ ّنــا زمــا ٌن‬

    ‫أقـول لـك إ ّن خيـارات مـا بعـد الالتحـاق بالمعهـد شـبه‬                                               ‫للاســتغراق في التجربــة‪.‬‬

    ‫محـ ّددة؛ فلـك أن تختـار ال ُعزلـة عـن ك ّل شيء‪ ،‬وأن تكمـل‬         ‫زمــان تُج ّرب‪/‬تُجــ ّرد فيــه ذاتــك‪ ،‬لتتّصــل بأنطولوجيــا‬
    ‫العامــن وأنــت مت ّزمــت بالأكاديميــا وتلعــن الشــمعة‬           ‫الإنســان في انتمائــه الأســمى‪ ،‬ولا عليــك مــن هــذا‬
    ‫قبـل الظـام‪ ،‬ولـك أن تتق ّحـم ك ّل غرائبـ ّي عنـك‪ ،‬أن تقـرأ‬
    ‫ك ّل شيء‪ ،‬ك ّل مــكان ك ّل شــخص ك ّل رائحــة ك ّل مــذاق ك ّل‬     ‫التأنّــق والانتخــال في الألفــاظ؛ ففكــرة معهــد الدوحــة‬
                                                                       ‫أجمــل وأبســط مــن حجبهــا ب ِكمامــات الــرف اللغــو ّي‪،‬‬
    ‫صــوت‪ ...‬ك ّل شيء بالدلالــة المبــاشرة النوويّــة لكلمــة‬
    ‫شيء‪ ،‬عليـك أن تقـرأ ك ّل شيء وتفهمـه‪ ..‬ثـ ّم تحفـظ مـا‬

                           ‫أعجبـك‪ ..‬وتنـى مـا ح ّقـه النسـيان‪.‬‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34