Page 22 - نشرة زاجل الإلكترونية - العدد 52 - أيلول / سبتمبر 2021
P. 22

‫‪22‬‬                                                                                   ‫العدد ‪ - 52‬أيلول ‪ /‬سبتمبر ‪2021‬‬
                                                                                  ‫‪zajel@dohainstitute.edu.qa‬‬
               ‫أقلام‬

                                                                                  ‫الواجب والمجتمع‬

                                              ‫لبنى بن البو عزاوي‬                  ‫إن أول مــا يتبــادر إلى ذهننــا عنــد ســاع كلمــة "الواجــب"‬
                                                                                  ‫هـو فكـرة الإلـزام أو الإكـراه الـذي نشـعر بـه إزاء مـا نقـدم‬
                                                        ‫	•برنامج ماجستير الفلسفة‬  ‫عـى فعلـه أو القيـام بـه‪ ،‬هنـا بالضبـط‪ ،‬نطـرح السـؤال عـن‬
                                                                                  ‫حــدود الحريــة التــي نمتلكهــا إزاء ذواتنــا وإزاء المجتمــع‬
‫خـال سـلم التطـور واجبـات أخـرى كواجـب الفـرد تجـاه عائلتـه‪،‬‬                      ‫الـذي ننتمـي إليـه‪ .‬ولا ريـب أن كل واحـد منـا‪ ،‬في لحظـة مـن‬
‫الواجـب المهنـي‪ ،‬الواجـب الوطنـي‪ ،‬الواجـب الإنسـاني وهلم‬                          ‫اللحظـات‪ ،‬وهـو يتذكـر مـا مـر مـن حياتـه مـن تراكـم أحـداث‪،‬‬
‫جــ ّرا‪ .‬لقــد أضحــى كاهلنــا مثقــا بعــبء الواجــب وإكراهاتــه‬                 ‫قـد تسـاءل ولـو لمـرة واحـدة‪ ..‬مـا عـى أن تكـون حياتنـا لـو‬
‫التـي مـا برحنـا نخضـع لهـا بـدون أي مقاومـة تذكـر‪ .‬إن الواجب‬                     ‫أننـا تُركنـا وشـأننا نفعـل مـا يحلـو لنـا‪ ،‬أكنـا سـنطير فر ًحـا مـن‬
‫والحالـة هـذه‪ ،‬بالنسـبة للفـرد‪ ،‬عـى حـد تعبـر "إريـك فايـل"‬                       ‫لـذة إلى أخـرى؟ أم أن الأوامـر والضوابـط التـي تبيـح وتحظـر‪،‬‬
‫في كتابــه "الفلســفة الأخلاقيــة" يوجــد في صيغــة واجبــات‬                      ‫تمنـع وتجيـز‪ ،‬كانـت حجـرة عـرة تحـول بيننا وبـن حريـة الإرادة‬
‫لا تكــون محصــورة فقــط في واجبــات الامتنــاع أو المنــع‪ ،‬بــل‬
‫هــي أي ًضــا في واجبــات تفــرض طرقًــا محــددة في التــ ّرف‬                                                                               ‫وســعادتنا؟‬
                                                                                  ‫إن الغايـة مـن هـذا السـؤال ليسـت هـي سـر أغـوار مراحـل‬
                                                          ‫والســلوك‪.‬‬              ‫حياتنـا بـكل تفصيـل ‪ -‬طفولتنـا‪ ،‬شـبابنا‪ ،‬شـيخوختنا ‪ -‬بـل الغايـة‬
‫ليــس المــرء حــ ّرا بالقــدر الــذي يجعلــه يختــار مــا لا يوافــق‬             ‫تتعـدى ذلـك إلى مسـاءلة دور البيئـة ثـم المحيـط والمجتمـع‬
‫الواجبـات التـي تـم تقعيدهـا مـن لـدن المجتمـع‪ ،‬إذ متـى بـدأ‬                      ‫في تثبيـت وترسـيخ مفهـوم الواجـب وقيمتـه الأخلاقيـة مـن‬
‫الشــخص يقــرر ويختــار مــا هــو غــر موافــق للقاعــدة‪ ،‬يــكاد‬                  ‫خـال عمليـة التنشـئة الاجتماعيـة التـي يتـرب منهـا المـرء‬
‫ينتابـه الشـك والريبـة والتوجـس‪ ،‬ويسـاوره نـوع مـن القلـق‬                         ‫قيـم مجتمعـه لغايـة الاستنسـاخ الثقـافي‪ ،‬إلى الدرجـة التـي‬
‫إزاء اختياراتــه التــي لا تخــرج عــن كونهــا تعبــ ًرا عــن حريــة‬              ‫يغــدو فيهــا المجتمــع ونظمــه القيميــة والأخلاقيــة هــا‬
‫الإرادة التـي ظلـت معتقلـة ظلـ ًا وتعسـ ًفا؛ ذلـك أن المجتمـع‬                     ‫المعيـار الـذي يحتكـم إليـه الفـرد في توجيـه تصرفاتـه؛ وذلك‬
‫قــد رســم لنــا القاعــدة والطريــق‪ ،‬فــا يســعنا إلا أن نتبعــه‬                 ‫وفــق مــا ينســجم مــع أخــاق المجتمــع ومــا يمليــه عليــه‬
‫ونســر عــى خطــه (المســتقيم)‪ .‬عــى هــذا النحــو تمامــا‪،‬‬                       ‫هـذا الأخـر مـن ضوابـط وقيـم‪ ،‬حتـى تكتسـب تلـك التصرفـات‬
‫تكــون شــاكلة الصــد المنيــع الــذي يحــول بيننــا وبــن حريــة‬
                                                                                                      ‫والسـلوكيات القيمـة الأخلاقيـة المطلوبـة‪.‬‬
               ‫الإرادة حينــا‪ ،‬وبــن ســعادتنا في أحيــان أخــرى‪.‬‬                 ‫صحيــح أن ســرورة تطــور مفهــوم الواجــب في ســياق‬
‫مــن هــذا المنطلــق يمكــن اعتبــار الواجــب إكراهــا اجتماعيًــا‬                ‫الحديــث عــن المجتمــع قــد تخللتهــا مراحــل تبتــدئ أولهــا‬
‫يتعــدى إرادة الأفــراد‪ ،‬وفي الآن نفســه يعــد مؤطــ ًرا‬                          ‫بتلقــن الفــرد في طــور طفولتــه جملــة مــن الواجبــات مــن‬
‫لوجودهـم داخـل المجتمـع‪ .‬فـإذا كان المجتمـع كـا ورد عـن‬                           ‫قبيــل‪ :‬واجــب الاحــرام‪ ،‬واجــب الامتثــال لأوامــر الأكــر ســ ًّنا‪،‬‬
‫"إيميـل دوركايـم " في كتابـه "التربيـة الأخلاقيـة" هـو المصدر‬                     ‫واجــب الفــرد تجــاه أســتاذه أو معلمــه إلــخ‪ ..‬لتنضــاف إليهــا‬
   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27