Page 23 - نشرة زاجل الإلكترونية - العدد 52 - أيلول / سبتمبر 2021
P. 23
23 العدد - 52أيلول /سبتمبر 2021
zajel@dohainstitute.edu.qa
كـا يحدثنـا الأخلاقيـون ورجـال الديـن ،بـل هـو في جـذوره قلق الوحيـد للواجـب الأخلاقـي ،فـأن سـلطته ترسـخ في وعيهـم ما
اجتماعـي يصـدر عـن المجتمـع الـذي بـث فينـا منـذ طفولتنـا. يجـب القيـام بـه مـن واجبـات .الـيء الـذي يقتـي بالـرورة
فضميرنـا الأخلاقـي عـى هـذا النحـو ،لم ينتـج إلا عـن المجتمـع التقليــص مــن هامــش حريــة الفــرد أمــام ســلطة المجتمــع،
ولا يعـر إلا عنـه ،وإذا تكلـم ضميرنـا ،فإنمـا يردد صـوت المجتمع باعتبارهــا الســلطة الوحيــدة المحــددة لــكل الواجبــات .فليــس
الـذي بـث فينـا حـن عمـل عـى تكويننـا خلقيـا ،تلـك المشـاعر ثمـة شـخص تمـ ّرد عـى سـلطة المجتمـع إلا ومـر بلحظـات صراع
التـي تمـي علينـا سـلوكنا بلهجـة آمـرة صارمـة ،أو تثـور علينـا داخـي مـع المجتمـع الـذي يسـكنه .تلك هـي اللحظات نفسـها
حـن نمتنـع عـن الرضـوخ ،ولا شـك في أن اللهجـة التـي يتكلـم التـي تحـاول الـذات مـن خلالهـا إثبـات حريـة إرادتهـا رغـ ًا عـن
بهـا خـر دليـل عـى السـلطة الهائلـة التـي يتمتـع بهـا" .رغـم المجتمــع ،وعــن كل المؤسســات الاجتماعيــة التقليديــة التــي
أن هنــاك مــن اعتــر الضمــر الأخلاقــي وعيــا أخلاقيــا محايثًــا تكبـل الفـرد وتحـول بينـه وبـن حريتـه وسـعادته .فالمـرء الـذي
للـذات ،ومعطـى فطريًّـا بمثابـة الغريـزة التـي تقـود الإنسـان يبغـي التمـرد ،معـرض دائمـا لـراع قـوي محتـدم بينـه وبـن
إلى التمييــز بــن الخــر والــر كــ "جــون جــاك روســو" مثــا. قــوى المجتمــع وقيمــه التــي يتجســد بعضهــا في القوالــب
خلافًـا لنيتشـه الـذي اعتـر الوعـي الأخلاقـي في "جينيالوجيـا
الأخـاق" نتيجـة لتلـك العلاقـة التجاريـة الأولى التـي نشـأت بـن الاجتماعيــة النمطيــة.
الدائـن والمديـن والتـي رسـخت عـر مظاهـر العقـاب الجسـدي، يبــدو ذلــك عــى نحــو جــي ،في كل مــرة نتجــرأ فيهــا عــى
مفاهيــم الواجــب والخــر؛ إذ ارتبــط الوعــي الأخلاقــي عنــده ســلطة المجتمــع الجبــارة وأوامــره القاهــرة ،حيــث نجــد صوتــا
يتكلـم فينـا ويهيـب بنـا قائـا" :أنـت عـى خطـأ"" ،لقـد انحرفـت
بممارسـة نـوع مـن العنـف والقسـوة. عــن الطريــق"" ،عــد إلى الطريــق الصحيــح ،قــم بواجبــك ..إلــخ"
لا شـك أنـه قـد تناهـت إلى مسـامعنا كـذا مـرة عبـارة شـهيرة وعندمـا نتخـاذل أو نـأبى أن نمتثـل للأوامـر ،يعلـو ذلـك الصـوت
ل " إميــل دوركايــم" تقــول :حــن أتكلــم فــإن المجتمــع هــو ذاتــه محتجــا عــى فعلنــا محــاو ًل فــرض ســلطته ووصايتــه
الـذي يتكلـم بداخـي ،وحـن أحكـم فـإن المجتمـع هـو الـذي بشــكل أقــوى كــرد فعــل مضــاد ،أو كآليــة دفاعيــة عــى
يحكـم مـن خـالي" السـبب في ذلـك أن المجتمـع يعمـل عـى نحــو أدق ،تتحــول في كثــر مــن الأحيــان إلى قلــق اجتماعــي
ترسـيخ ليـس فقـط نماذجـه الثقافيـة التـي يتـم توارثهـا مـن راجــع بالأســاس إلى قهــر اجتماعــي كان ســببه ذلــك الإكــراه
جيــل إلى آخــر وحســب ،بــل عــاوة عــى ذلــك يرســخ نماذجــه الاجتماعــي الــذي يشــكله الواجــب .بمعنــى أن الضمــر ليــس
الأخلاقيـة التـي تجعلنـا نصـدر أحكامـا أخلاقيـة يغيـب علينـا في هـو ذلـك القـاضي العنيـد والمهيـب الـذي يؤنبنـا لمـا نخطـئ
معظــم الأحيــان أنهــا بنــاء اجتماعــي .مــن هنــا يمكــن اعتبــار
المجتمـع هـو الفاعـل الأبـرز والأكـر تأثـ ًرا عـى حيـاة الأفـراد
الأخلاقيــة ،وهــو الــذي عــر ســلطته عــى الأفــراد يرســخ في
الوعــي الفــردي مــا ينبغــي القيــام بــه مــن واجبــات.

