Page 23 - نشرة زاجل الإلكترونية - العدد 51 آب / أغسطس 2021
P. 23

‫‪23‬‬                                                                       ‫العدد ‪ - 51‬آب ‪ /‬أغسطس ‪2021‬‬
                                                                     ‫‪zajel@dohainstitute.edu.qa‬‬

    ‫يعفــو فيهــا الأب أخطــاء أولاده وزوجتــه‪ ،‬ويعفــو الكبــر‬                                            ‫لأدفع ال ّش ع ّني بالتحيات‬
    ‫أخطــاء الصغــر تســود فيهــا المحبــة والرأفــة والرحمــة‪،‬‬      ‫ويســتفاد مــن أبيــات الإمــام الشــافعي –رحمــه اللــه‬
    ‫وبالتـالي تصـر الأسرة وحـدة واحـدة‪ ،‬كل فـرد فيهـا يكمـل‬          ‫تعــالى‪ -‬أن عــدم العفــو للمخطــئ يلجــئ الفــرد إلى‬
    ‫دور الآخــر‪ ،‬فيتحقــق بذلــك التكاتــف الأسري والتعــاون‬         ‫حمــل الضغائــن‪ ،‬والتفكــر في الكيفيــة المناســبة لإيــذاء‬
                                                                     ‫المخطــئ‪ ،‬وهــذا يزيــل الطمأنينــة القلبيــة والراحــة‬
                                   ‫العائــي والتكافــل الحقيقــي‪.‬‬    ‫النفســية عــن الفــرد‪ ،‬ويصــر الشــخص مهمــوم البــال‬
    ‫ومــن الجديــر بالذكــر أن الأمــم والمجتمعــات المتســامحة‬      ‫ض ّيــق الصــدر‪ ،‬وقــد يســتمر في هــذه الحالــة حتــى‬
    ‫التــي يعفــوا بعضهــا بع ًضــا تتميــز بالاســتقرار الأمنــي‬    ‫بعــض الانتقــام مــن المخطــئ‪ .‬ولــذا يقــول الإمــام أنــه‬
    ‫والمجتمعــي‪ ،‬ويســود فيهــا روح التســامح والتكاتــف‪،‬‬            ‫أراح نفســه مــن كل هــذه الهمــوم والغمــوم بالعفــو‬
    ‫والـود والوئـام‪ ،‬عـى عكـس المجتمعـات التـي تقـل فيها‬             ‫والصفــح‪ ،‬وبالتــالي يعيــش مرتــاح البــال‪ .‬ويمكــن القــول‬
    ‫شــيمة العفــو والصفــح‪ ،‬فيكــر فيهــا الحقــد والبغضــاء‬        ‫هنــا إن المُعفــي لا يعفــو فقــط عــن الشــخص المذنــب‪،‬‬
    ‫والصراعــات‪ ،‬والنزاعــات المختلفــة‪ ،‬وبمــا أن الإنســان‬         ‫ولكنــه يعفــو عــن نفســه أي ًضــا مــن تكاليــف الانتقــام مــن‬
    ‫كثــر الخطــأ والــزلات قاصــ ًدا كان أو غــر قاصــد‪ ،‬فــإذا لم‬  ‫هــم وغــم‪ ،‬وقلــة نــوم‪ ،‬وقلــق‪ ،‬وانتفــاخ أوداج‪ ،‬وغيرهــا‬
    ‫يتــم احتــواء هــذه الأخطــاء بالعفــو أكــر مــن احتوائهــا‬    ‫مــن التكاليــف الماديــة والنفســية المصاحبــة للانتقــام‪،‬‬
    ‫بالتقــاضي‪ ،‬فــإن الحيــاة ســتكون ضنــكا عــى الأفــراد‬         ‫وبهـذا لا يكـون العفـو فقـط للاحتسـاب وطلـب أجـر الآخـرة‪،‬‬
    ‫والجماعــات المتعايشــة‪ ،‬وستســود فيهــا الكراهيــة‬              ‫ولكنـه أيضـا لـه فوائـد دنيويـة عـى المسـتوى الفـردي‬
    ‫والشـحناء‪ ،‬مـا يفسـد أخـاق المجتمـع ويفـكك تماسـكه‪،‬‬
    ‫ويضعـف ق ّوتـه ومكانتـه‪ ،‬وقـد يـؤدي ذلـك إلى اسـتغلال‬                                          ‫والاجتماعــي عــى حــد ســواء‪.‬‬
    ‫أعدائـه مـن هـذه الثغـرات الاجتماعيـة‪ ،‬بـأن يـرب بعضهم‬           ‫العفــو دواء مــن داء الصراعــات والنزاعــات‪ ،‬ويأخــذ دو ًرا‬
                                                                     ‫رئيســ ًيا في تقليلهــا والحــد منهــا بــن أفــراد المجتمــع؛‬
                         ‫عــى بعــض ليحقــق مآربــه ومصالحــه‪.‬‬       ‫لأن المشـاكل تتقلـص عندمـا يعفـو أحـد طـرفي النـزاع عـن‬
    ‫وبنــاء عــى مــا ســبق تتبــ ّن لنــا أهميــة العفــو في‬        ‫صاحبــه طو ًعــا وبإرادتــه‪ ،‬مــع اســتطاعته رفــع الدعــاوى‬
    ‫المجتمــع وأنــه مطلــب شرعــي تحثّنــا عليــه شريعتنــا‬         ‫القضائيـة ضـ ّده‪ .‬قـال غانـدي‪ :‬إذا قابلنـا الإسـاءة بالإسـاءة‬
    ‫الغــ ّراء‪ ،‬ووردت آيــات وأحاديــث في الحــ ّث عليــه‪ ،‬وتأكيــد‬
    ‫ثوابــه الكبــر عنــد اللــه تعــالى في الداريــن‪ ،‬وضرورة‬                                              ‫فمتــى تنتهــي الإســاءة‪.‬‬
    ‫اجتماعيـة لا غنـى عنـه لتصـر حيـاة المجتمـع خاليـة مـن‬           ‫العفــو فضيلــة أخلاقيــة ترتقــي بالأفــراد والمجتمعــات‬
    ‫التصادمـات والصراعـات‪ ،‬وكل مـا يكـ ّدر صفـو حيـاة الأفـراد‬       ‫والأسر‪ ،‬فــالأسرة المتســامحة عــى ســبيل المثــال التــي‬
    ‫في المجتمـع‪ .‬وبهـذا يتضـح لنـا أن العفـو جديـر بتحقيـق‬
    ‫مصلحـة العبـاد في المعـاش والمعـاد "ولمـن صـر وغفـر‬

                       ‫إن ذلــك مــن عــزم الأمــور" الشــوى‪.43/‬‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26