Page 24 - نشرة زاجل الإلكترونية - العدد 51 آب / أغسطس 2021
P. 24

‫‪24‬‬                                                                             ‫العدد ‪ - 51‬آب ‪ /‬أغسطس ‪2021‬‬
                                                                           ‫‪zajel@dohainstitute.edu.qa‬‬

    ‫روح الجماعة أم نظرة إلى العالم؟‬

                                                 ‫فاطمة الجابري‬             ‫لــكل جماعــة أيديولوجيــا منظِّمــة لهــا تؤ َّســس وف ًقــا‬
                                                                           ‫لمرجعيــة معينــة تح ِّددهــا الجماعــة‪ ،‬وتأثــر هــذه‬
                      ‫	•خريجة برنامج ماجستير علم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬
                                                                           ‫الأيديولوجيــا ينصــ ُّب عــى أفرادهــا بشــك ٍل مــا‪ .‬ف ِبنيــة‬
    ‫الأســاس للوعــي الجمعــي‪ ،‬ويقــدم للملتزمــن بالنظــام‬                ‫الجماعــة أو الأســاس الــذي تقــوم عليــه يشــ ّكل أرض ّيــة‬
    ‫الدينــي المع ِرفــة الحــق مــن وجهــة نظرهــم‪ ،‬ومعرفــة‬              ‫خصبــة لتشــكيل فكــر الفــرد داخلهــا‪ .‬في هــذا النــص‬
    ‫الــروط الأساســ ّية التــي يجــب بالــرورة أن يعيشــوا‬
    ‫الحيــاة بحســبها؛ فالديــن يد َعــم الســلوك الســليم‬                 ‫سـأتناول جان ًبـا مـن جوانـب تأثيرهـا عـى الفـرد والـذي قـد‬
    ‫والمعـروف الـذي يطابـق الفطـرة للجماعـة المنتمـن لـه‬                   ‫يظهـر كإشـكال ّية وهـو جانـب التداخـل بـن الثقافـة والديـن‬
    ‫(غيرتــز‪ .)2009 ،‬في مقابــل ذلــك يجــب أ ّل نغفــل التحــولات‬         ‫والــذي يقودنــا للتســاؤل عــن موقــف الفــرد منهــا في‬
    ‫والتطـورات التـي طـرأت عـى المجتمعـات كافّة‪ ،‬التـي تؤثر‬
    ‫بالـرورة عـى تلـك الجوانـب‪ ،‬ومـن هـذه التحـولات التديُّـن‬                                                                   ‫هــذا العــر‪.‬‬
    ‫الفـردي الـذي يعيـد تـوازن الفكـر بعيـ ًدا عـن الانجـرار وراء‬
    ‫التنظيـات الدينيـة الشـعبية‪ ،‬التـي يترتـب عليهـا الإيمـان‬              ‫إ َّن جوانــب التداخــل بــن الديــن والثقافــة تنتشــل الخطــوط‬
    ‫بنــوع مــن المعتقــدات الشــعبيّة بالنظــر للفكــر الشــعبي؛‬
    ‫كــيء يســتمد جــذوره مــن ثقافــة الجماعــة‪ .‬وبالطبــع‬                ‫الفاصلــة بــن مــا هــو ثقــافي ومــا هــو دينــي جاعلــ ًة‬
    ‫هنــا نتحــ ّدث عــن التديُّــن كممارســة اجتماعيــة ومــدى‬
    ‫فهــم الفاعلــن الاجتماعيــن لهــذا الديــن‪ ،‬كــون البع َديــن‬         ‫مــن الديــن اللبــاس الظاهــر للثقافــة الكامنــة خلفــه‪،‬‬
    ‫الدينـي والاجتماعـي للثقافـة متداخـان؛ فالثقافـة والديـن‬               ‫لإضفــاء الشرعيــة عــى بعــ ِض المعتقــدات الثقافيــة‪ .‬لــو‬
    ‫يشـ ّكلان في ُعمقهـا طريقـة حيـاة‪ .‬وبالنظـر إلى الديـن‬
    ‫بوصفـه ممارسـة اجتماعيـة‪ ،‬في الجانـب الآخـر فـإن الأبعـاد‬              ‫نــأتي لاختصــا ِر الديــن في تعريــف عزمــي بشــارة نجــد‬

               ‫والمعايــر والقيــم ممارســات اجتماعيــة أي ًضــا‪.‬‬          ‫أنــه "ظاهــرة اجتماعيــة تقــوم عــى الإيمــان المشــرك‬
    ‫تتمظهــر جوانــب هــذه التحــولات في ظهــور نمــط تديــن‬
    ‫جديـد وهـو التديُّـن الفـردي‪ ،‬وهـو ال ّنمـط الـذي أشـار إليـه‬          ‫بعقيــدة‪ ،‬وممارســة طقــوس وشــعائر محــ ّددة‪ ،‬يفــرض‬
    ‫عـواد؛ إذ يـرى أ َّن هـذا النمـط مـن التديـن يتجـ َّى مـن خـال‬         ‫أن ت ِصــل بــن مجــا َل المقــدس والعــادي"‪ .‬هنــا تكمــن‬
    ‫الممارســات الظاهــرة والمتمثّلــة في أخــذ كل فــرد مــن‬
    ‫الديـن مـا يناسـبه اسـتنا ًدا إلى مقاييسـه الخا ّصـة‪ ،‬ويـرى‬            ‫انطلاقــة إشــكال َّيتنا المتمثّلــة في ترجمــة الجماعــة للديــن‬
    ‫باتريــك ميشــيل هنــا أن الديــن يصبــح اســتهلاكيًّا‪ ،‬وعليــه‬        ‫لسـلوكيات ثقافيـة‪ ،‬فنحـن هنـا نتنـاول جانـب التديّـن الـذي‬
    ‫يصبــح الفــرد غــر مجــ َر عــى منظومــة قيميــة محــ ّددة‪،‬‬           ‫يج ّســد التجربــة الدينيــة‪ .‬فالإيمــان بالمقــ َّدس الغيبــي‬
    ‫وإن لم تكـن المنظومـة التـي ينتمـي لهـا مريحـة بالنسـبة‬                ‫ومأ َس َسـته نحـو إنتـاج جماعـة تشـرك في التجربـة الدينيـة‬
                                                                           ‫أو إعــادة إنتاجهــا‪ ،‬هــو الــذي يم ّيــز التديــن عــن بقيــة‬
                                                                           ‫تجـارب المقـ َّدس؛ فالديـن‪ ،‬بوصفـه ظاهـرة اجتماعيـة تمّـت‬

                                                                           ‫مأ َس َســتها‪ ،‬يؤثــر ويتأثــر بالمجتمــع‪ ،‬والتديُّــن مــا هــو إلا‬
                                                                           ‫تفعيــل لــدور الفــرد في التعاطــي مــع الديــن‪ ،‬والتديُّــن‬
                                                                           ‫هنـا لا يعـ ّر عـن ممارسـة الشـعائر فقـط‪ ،‬بـل يتعداهـا إلى‬
                                                                           ‫تشــكيل هويّــة اجتماعيــة جماعيــة‪ ،‬وكــا يقــول بشــارة‪:‬‬

                                                                                               ‫"التديُّــن ليــس الإيمــان وإنمــا الإظهــار"‪.‬‬
                                                                           ‫لنتنــاول هنــا جان ًبــا مــن تفســر دوركايــم للديــن في‬
                                                                           ‫المجتمعــات البدائيــة‪ ،‬عــى اعتبــار أن الديــن يشــكل‬
   19   20   21   22   23   24   25   26