Page 24 - نشرة زاجل الإلكترونية العدد 45 - كانون الأول/ديسمبر 2020
P. 24

‫‪24‬‬                                                                                 ‫العدد ‪ - 45‬كانون الأول‪/‬ديسمبر ‪2020‬‬
                                                                                    ‫‪zajel@dohainstitute.edu.qa‬‬
               ‫أقلام‬

                                                                                   ‫الاستعمار وفرض اللغة‬

                                                      ‫الشيخ مود بدر جوب‬            ‫كانـت مدرسـة سـن لويـس ‪-‬العاصمـة الأولى للسـنغال‪ -‬أول مدرسـة‬
                                                                                   ‫فرنســية ‪ ،1817‬وكان ‪ )Jean Dard (1826‬أ ّول معلّــم للغــة الفرنســية‪،‬‬
                                    ‫	•برنامج ماجستير اللسانيات والمعجمية العربية‬   ‫غــر أنــه أُ ِقيــل لأســباب عديــدة منهــا أنــه كان يــد ِّرس الســنغاليين‬
                                                                                   ‫بلغتهــم أ ّولا‪ ،‬في حــن‪ ،‬كان اهتــام الســلطات الاســتعمارية كــا‬
‫العادلــة" مــع المــدارس القرآنيــة‪" :‬نحــن حاكــم الســنغال وتوابعهــا‬           ‫تذهــب الأدبيــات ينصــب حــول تدريــب مســاعدين مســؤولين‪ ،‬قادريــن‬
‫[‪ ]...‬معتبريــن أن الهــدف مــن إدارة المســتع َمرة‪ ،‬مــن خــال تنظيــم‬
‫المرســوم المذكــور لمؤسســة المــدارس الإســامية‪ ،‬هــو الســعي‬                    ‫عــى القــراءة والكتابــة للعمــل كمترجمــن وتســهيل التجــارة مــع‬
‫إلى اسـتيعاب أطفـال السـكان الأصليـن‪ ،‬وأن هـذا الهـدف لم يتحقـق‬                    ‫الســكان‪ .‬ولم يكــن لتثقيفهــم أو تحديثهــم‪ .‬ولمّــا رأوا أنــه فشــل‬
‫حتـى الآن بسـبب اللامبـالاة التـي يحملهـا أسـاتذة المدرسـة القرآنيـة‪.‬‬              ‫‪-‬حســب رأيهــم‪ -‬اســتبدلوه بإخــوان بُولي ْر ِمــ ْل [‪]les freres ploermel‬‬
‫في حـن أن الطريقـة الأكـر فعاليـة لتحقيـق ذلـك هـي الآن مطالبـة‬                    ‫وقامــوا بإنشــاء نظــام تعليمــ ّي‪ ،‬مبــاشرة‪ ،‬عــى غــرار النمــوذج‬
‫هــؤلاء المعلمــن بتعويــد الأطفــال عــى فهــم اللغــة الفرنســية‬                 ‫الفرنـ ّي دون الأخـذ بعـن الاعتبـار واقـع البـاد‪ .‬اختلفـت طريقتهـم‬
‫والتحـ ّدث بهـا‪ ،‬وبالتـالي تقـول المـادة رقـم "‪ "1‬لـن يتمكـن أ ّي شـخص‬             ‫عـن طريقـة المعلّـم "دارد" مـن حيـث إنهـا ركـزت عـى تدريـس اللغـة‬
‫في المسـتقبل مـن الحصـول عـى تصريـح ل َعقد مدرسـة إسـاميّة [‪]...‬‬
‫إذا لم يكـن بإمكانـه تبريـر معرفتـه بالفرنسـية أمـام هيئـة المحلّفـن‬               ‫التقليديــة مــع حظــر تــام للتحــدث باللغــات المحليــة‪ .‬ويجــب‪ ،‬هنــا‪ ،‬أن‬
‫‪-‬يعنــي ُحــكام الفرنســية القانونيــة‪ -‬كــا تنــص المــادة رقــم "‪ "3‬أنــه‬
‫يجــب عــى الطــاب الملتح ِقــن بالمــدارس الإســام ّية تعلّــ ُم التحــ ّدث‬       ‫نتذكــر‪ ،‬أن الإخــوة قــد حصلــوا مــن الســلطات الاســتعمارية الفرنســية‬
‫بالفرنسـ ّية هنـاك‪ ،‬وأن الذيـن‪ ،‬لـن يكونـوا قادريـن عـى فهـم اللغـة‬
‫الفرنسـية بطلاقـة‪ ،‬بعـد عامـن‪ ،‬لـن يذهبـوا إلى المـدارس القرآن ّيـة‪،‬‬               ‫عـى إذ ٍن يخولهـم مـن إدراج بنـد في عقدهـم يتطلـب تدريـس نفـس‬
‫ولـن يعـودوا قادريـن عـى الالتحـاق بمدرسـة الإخـوان أو المدرسـة‬
                                                                                                                     ‫البرنامــج كــا في العاصمــة الفرنســية‪.‬‬
                                                                     ‫العلمانيــة‪.‬‬  ‫إن فـرض الفرنسـية عـى الشـعب (السـنغالي) وإرغامـه عـى تعلّمها‬
‫تركــت هــذه السياســة اللغويّــة القائمــة عــى أســاليب فــرض‬
‫الأحاديــة اللغويــة‪ ،‬تشــوها ٍت في هويــة الســنغاليين‪ ،‬وفي طبيعــة‬               ‫جــاء عقــب قــرارات ســلطة الاحتــال عــى إجبــار التلاميــذ بدراســتها‬
‫ممارســاتهم اليوميــة والاجتماعيــة وحتــى الإداريــة‪ ،‬حيــث إن‬
‫مؤسسـات الدولـة‪ ،‬مـا بعـد الاسـتقلال‪ ،‬لم تُنظّـم أوضـاع أصحـاب اللغـة‬              ‫في المســاء‪ ،‬ومــن ثــم أصــدروا قــرارات إضافيــة أخــرى أكــر عن ًفــا‬
‫العرب ّيــة ضمــن رعاياهــا أو تعتبرهــم أو تُوظّفهــم في مؤسســات‬
‫الدولــة بذريعــة عــدم إتقانهــم اللغــ َة الفرنســية ولــو كانــوا درســوا‬       ‫تقـوم عـى فـرض غرامـات ماليـة‪ ،‬وفي بعـض الأحيـان جنائيـة عـى‬

                                     ‫الطــ َّب أو الهندســة باللغــة العربيــة‪.‬‬    ‫أصحــاب المــدارس القرآنيــة‪ ،‬لأن كثــ ًرا مــن الشــعب كانــوا يعتــرون‬
‫كذلــك‪ ،‬ينظــر البعــض إلى الذيــن لا يتقنــون اللغــة الفرنســية‪ ،‬بفعــل‬          ‫المدرسـة الفرنسـية مركـ ًزا للتغريـب والعلمنـة‪ .‬وقـد رأى العديـد مـن‬
‫التأثـرات الثقافيـة والفكريـة الناتجـة مـن تلـك السياسـة العنصريـة‪،‬‬                ‫المسـلمين في هـذه المؤسسـات أماكـن للهـاك والـر ّدة‪ ،‬معتبريـن‬
‫عــى أنهــم ليســوا مث ّقفــن ولا حداث ِيــن‪ ،‬حيــث صــارت تلــك النظــرة‬          ‫إياهــا أداة للدعايــة في خدمــة الكاثوليكيــة‪ ،‬وهــي هيئــة تبشــرية‬
‫صــورة نمطيّــة‪ ،‬لدرجــة أن يضطــ ّر الفــرد الســنغال ّي‪ ،‬لكــر تلــك‬
‫الصــورة النمطيّــة‪ ،‬أن يكــون متعــ ّدد اللغــة (إمــا العربية‪/‬الفرنســية‪،‬‬        ‫كانــت في الســنغال‪ ،‬خاصــة وأن هــذه المؤسســات ‪ -‬في معظــم‬
‫أو الفرنسـية مـع إحـدى اللغـات المحليـة) لـي يحظـى عـى مكانـة‬
‫اجتماعيــة‪ ،‬ولا تــزال هــذه الصــورة حــاضرة في ذهــن الكثيريــن مــن‬             ‫الأحيـان‪ -‬تـدار بواسـطة رجـال ديـن مسـيحيين‪ ،‬وكان ذلـك في عيـون‬
‫أبنــاء الشــعب الســنغال ّي وإن انخفضــت ح ّدتهــا في الآونــة الأخــرة‪.‬‬
                                                                                   ‫الشــعب الســنغال ّي خطــ ًرا بــار ًزا في وجــه الحفــاظ عــى عقيدتهــم‬
                                                                                                                                                       ‫وثقافتهــم‪.‬‬

                                                                                   ‫يمكننــا أن نــرى مــدى مخــاوف الســلطات الاســتعمارية ورغبتهــا‬

                                                                                   ‫في فـرض الفرنسـية بـأي ثمـن وبـكل الوسـائل المتاحـة‪ .‬فقـد صـدر‬

                                                                                   ‫مرسـوم سـنة ‪ 1857‬وتنـص المـادة الخامسـة منـه عـى أن "معلمـ ّي‬
                                                                                   ‫المـدارس الإسـام ّية ملزمون بإرسـال ك َّل يـوم ‪-‬إلى الفصل المسـائ ّي؛‬
                                                                                   ‫إمــا فصــل المدرســة العلمانيــة أو الإخــوة‪ -‬جميــع الطــاب بعمــر ‪12‬‬

                                                                                   ‫ســنة فــا فــوق‪ .‬كــا صــدر مرســوم آخــر عــام ‪ ،1870‬مــن الحاكــم‬
                                                                                   ‫" ِفي ِدي ْربُــ ْه" يذهــب أبعــد مــن ذلــك في مكافحــة المنافســة "غــر‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29