Page 22 - نشرة زاجل الإلكترونية - العدد 58 - نيسان / أبريل 2022
P. 22

‫‪22‬‬                                                                                       ‫العدد ‪ - 58‬نيسان ‪ /‬أبريل ‪2022‬‬
                                                                                     ‫‪zajel@dohainstitute.edu.qa‬‬
               ‫أقلام‬

                                                                                     ‫كم كلفك هذا؟‬

                                                   ‫فاطمة الجابري‬                     ‫وســط زخــم العيــش وفــوضى الحيــاة وتداعيــات الأشــياء‪ ،‬تشــويش‬
                                                                                     ‫العقـل‪ ،‬تـردد القلـب‪ ،‬كـرة التفكـر المرهـق في أشـياء حدثـت وتحـدث‬
                                    ‫	•خريجة برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬      ‫وسـتحدث‪" ،‬تزيـد ثقتـي هـذه الأيـام أن الانطفـاء هبـة‪ ،‬أن تخبـو روحـك‪،‬‬
                                                                                     ‫أن يسـريح جسـدك مـن هـذا السـباق‪ ،‬رغـ ًا عنـك‪ ،‬رغـ ًا عـن خططـك‪،‬‬
‫صوتـك‪ ،‬ويجيبـك بقـدر إيمانـك‪" ،‬أنـا عنـد ظـن عبـدي بي"‪ .‬يدهشـني اللـه‬                ‫يذ ّكـرك هـذا الانطفـاء بضعفـك‪ ،‬وعاديَّتـك‪ ،‬في الوقـت الـذي تغـر فيـه‬
‫بلطفـه في صغائـر الأمـور قبـل كبائرهـا‪ ،‬يع ّجـل أمـ ًرا ويؤ ّجـل آخـر‪ ،‬يمنـع‬         ‫بذاتــك‪ ،‬تصعــد بحماســك للدرجــة التــي تنــى فيهــا أنــك إنســان‪ ...‬لــك‬
‫ويعطــي وفي منعــه رحمــة وهبــة‪ ،‬تدهشــني تلــك الحكمــة الربّانيــة‬                ‫الحــق في أن تتريــث‪ ،‬تتعــر‪ ،‬وتتعــب"‪ ،‬بينــا تمــر عــى ذلــك الإنســان‬
‫التـي لا تسـتطيع عقولنـا إدراكهـا‪ .‬كيـف لنـا بعـد هـذا اللطـف أن نعيـش‬               ‫الـذي سـراه متماسـ ًكا هادئًـا صلبًـا‪ ،‬لا تثقلـه المحـ َّكات‪ ،‬لدرجـة أن يخطـر‬
‫قلقـن غـر آمنـن وكل شيء مكفـول بيـد اللـه‪ ،‬الـذي خلـق السـاوات‬
                                                                                                                    ‫ذلــك الســؤال في ذهنــك‪ :‬كــم كلفــه هــذا؟‬
                         ‫والأرض في ســتة أيــام أعاجــ ٌز عــن تــولي أمــرك؟!‬       ‫انتابنــي الفضــول لذلــك الســؤال حتــى طرحتــه عليــه‪ :‬كــم كلفــك هــذا‬
‫قـد يحتـاج الإنسـان أن يتخـذ زاويـة مـن الحيـاة يـرى مـن خلالهـا مجرياتهـا‬           ‫الشــعور يــا رفيــق؟ شــعور الرضــا‪ ،‬الهــدوء المخيــف‪ ،‬الســكون الصاخــب‪،‬‬
‫دون أن يكــون فيهــا تما ًمــا‪ ،‬كأن يمــر عليــه شريــط حياتــه دون أن تكــون‬        ‫قـال‪ :‬توقفـ ُت عـن كـوني شـخص لا يمكـن أرى في مسـعاي إلا الهزيمـة‪،‬‬
‫لديــه القــدرة عــى تغيــر شيء فيــه‪ ،‬يراهــا كقطــار يأخــذ معــه أيامــه‬          ‫فكــرت في أن أكــون حنونًــا عــى نفــي‪ ،‬حتــى وإن كانــت خطــواتي‬
‫بــرط ألا يثــر فيــه مســاره أي نــوع مــن النــدم أو الشــعور بفــوات‬              ‫مبعـرة وجهـدي أقـل‪ ،‬لكـن هـذا جـاء بعـد عنـاء طويـل‪ .‬يمكـن أن يُخـرك‬
‫الأشـياء‪ ،‬عليـه أن يُتقـن تغريـب نفسـه عـن تلـك الأيـام التـي كان المحـرك‬            ‫مظهــري‪ ،‬نقصــان وزني‪ ،‬الحدائــق الســوداء تحــت عينــاي كيــف وصلــت‬
‫الأسـاسي لهـا‪ ،‬عليـه أن يصـم أذنيـه عـن سـاع عقـارب السـاعة وهـي‬                     ‫لهــذا‪ .‬عندمــا تصــل لهــذه المرحلــة ستشــعر ح ًقــا أنــك متعــب حتــى‬
‫تمــر دون قدرتــه عــى إيقافهــا‪ ،‬يتحــرر تما ًمــا مــن قبضــة الوقــت‪ ،‬أن‬          ‫الأصـوات ثقيلـة عـى أذنيـك‪ ،‬كلمـة قـادرة عـى بنائـك وأخـرى تهـدم‬
‫يــدع الوقــت يمــر دون خــوف يــأكل قلبــه أو قلــق ينتــزع راحتــه‪ ،‬عليــه أن‬      ‫أضلعـك‪ ،‬تعلمـ ُت حينهـا كيـف أبتلـع الـكلام وأكـون بهـذا الهـدوء‪ .‬علمتني‬
‫يفعلهـا‪ ،‬أن يكـون عـى هامـش هـذه الحيـاة ولـو لسـاعة واحـدة فقـط‪،‬‬                    ‫الليــالي أن أقــف مــكاني لا أبــدي أي رد فعــل‪ ،‬لا فــرح ولا حــزن‪ ،‬أتابــع‬
‫وبـدون أي حسـاب للنفـس؛ ليسـأل نفسـه بعدهـا ح ًقـا إلى أيـن المسـر؟‬                  ‫بصمــت نجاحــاتي وخســاراتي وبقلــ ٍب جامــد‪ ،‬شــعور غريــب! لم أســتطع‬
‫حينهـا تكتشـف أن الإنسـان لا يريـد أن يكـون الأفضـل‪ ،‬بـل كل مـا يريـده أن‬            ‫ذرف دمعـة واحـدة عـى حـالي هـل خـرت نفـي مـع تلـك الخسـارات؟‬
‫يجلـس هـادئ البـال مرتـاح القلب معتـدل المـزاج لا يأبـه لأي شيء‪ ،‬وإنما‬               ‫هـل فقـدت قـدرتي عـى الحديـث عـا يختلجنـي؟ هـل فقـدت قـدرتي‬
‫را ٍض كل الـرضى عـن كل شيء‪ .‬فكنـت أردد دائمًـا "اللهـم إني أسـألك بـا ًل‬
‫مطمئ ًنـا قنو ًعـا شـاك ًرا لمـا قسـمته لي"‪ ،‬أرضـاني اللـه بهـذا الدعـاء الذي‬                                                          ‫عــى الإحســاس والشــعور؟‬
‫ســتدرك فيــه سر الإجابــة أو يلهمــك اللــه أســباب المنــع‪ ،‬أو ينــزل عليــك‬       ‫أن يكــون لــك شــخصك المقــ ّرب والمف ّضــل والــذي تعتــره جــز ًءا منــك‬
‫سـكينته وسـتعلم حينهـا أن كل هـذا خـر‪ .‬وعندمـا تطلـب مـن اللـه شيء‬                   ‫أن تلتمــس فيــه خــ ًرا‪ ،‬تســتغيث فيــه‪ ،‬هــذا فعــ ًا لا يمكــن أن يعــ ّوض‪ ،‬أن‬
‫قـل يـا رب أعطنـي بقـدر رحمتـك‪ ،‬لمـاذا؟ لأنـه قـال‪" :‬ورحمتـي َو ِسـ َعت‬              ‫يكـون كتفـك وسـندك عندمـا تظلـم الحيـاة في عينيـك وتقفـل أبوابهـا‬
‫كل شيء"‪ ،‬فتخيــل ذلــك العطــاء‪ .‬تذكــر دائمًــا تلــك الأرزاق المنســية‪،‬‬            ‫في وجهــك وتقبــض عــى قلبــك‪ ،‬فــرى فيــه الحيــاة‪ .‬أشــعر بالامتنــان‬
‫سـكينة الـروح‪ ،‬لقـاء محـب‪ ،‬وجـود أخ‪ ،‬ضحكـة طفـل‪ ،‬صديـق وف ّي‪ ،‬صـاح‬                   ‫لوجـود ذلـك الشـخص في حيـاتي الـذي لا يمكـن تعويضـه بـأي شيء‪،‬‬
‫النفـس‪ ،‬صـاة في وقتهـا‪ ،‬حـواس تشـعر‪ ،‬نـوم هنـيء‪ ،‬الصحـة والعافيـة‬                    ‫لكــن احــذر أن يصبــح شــخصك هــو شــكواك‪ !...‬أن يكــون الحديــث عــا‬
                                                                                     ‫يجرحــك مــن الحيــاة هــو إصابتــك بجــرح جديــد‪ .‬لا يمكــن وصــف ذلــك‬
                                                ‫وقـل الحمـد للـه دائمًـا وأبـ ًدا‪.‬‬   ‫الشـعور أبـ ًدا‪ .‬أدركـ ُت وقتهـا أنـك لا تحتـاج لشـخص يُسـقط عنـك حملـك‬
‫عندمـا شـعرت أننـي أحتـاج لأن أبـذل فـوق طاقتـي ليشـعر العـالم بمـا‬                  ‫وهمومـك لا تحتـاج لشـخص أن يحـن عليـك مـن نفسـك‪ ،‬لا تحتـاج لشـخص‬
‫أشـعر أنـا بـه‪ ،‬أحسسـت أن ذلـك كثـ ًرا فعرفـت أن لا سـند إلا نفـي ولم‬                ‫أن يحميــك مــن ذاتــك‪ ،‬بــل كــن أنــت حاميهــا لتســتطيع الوقــوف بقــوة‬
‫يكــن ذلــك ســه ًل‪ ،‬ولكــن يبقــى الأفضــل دائمًــا‪ ،‬لأنــه قــد يــأتي اليــوم‬     ‫مـن جديـد دون معيـة أي إنسـان‪ .‬إيـاك أن تميـل أو تضعـف فأنـت السـند‬
‫الـذي تبحـث فيـه عـن ذلـك السـند ولـن تجـده فستسـقط مئـة مـرة بـد ًل‬                 ‫الحقيقـي والوحيـد لنفسـك‪ .‬ادعـوا اللـه أن يمنحـك هـذا‪ ،‬وهنـا أنبهـك يـا‬
‫مــن المــرة الواحــدة؛ لذلــك أنــا هنــا اليــوم‪ .‬والأهــم مــن ذلــك أن تجعــل‬    ‫رفيـق عـى شيء غايـة في الأهميـة‪ ،‬عندمـا تدعـو اللـه أن يثبتـك عـى‬
‫مـا حصـل لـك در ًسـا لمـا هـو آت‪ ،‬وعندمـا تـدرك أن هـذه هـي الحيـاة‬                  ‫هـذا والقصـد هنـا أن تكـون حام ًيـا لنفسـك محبًـا لهـا لا تدعـوه بنـرة عجـز‬
‫شــئت أم أبيــت ســتكون في هــذا المــكان تما ًمــا‪ ،‬أنــت الآن بــن الأمريــن‬       ‫وانكسـار‪ ،‬أتعلـم لمـاذا؟ الدعـاء معجـزة يـرد القضـاء يغـر الأقـدار ينقلنـا‬
‫مخــر‪ :‬إمــا أن تقــف وتكملهــا رغــم انكســارك‪ ،‬أو تبقــى طريحــاً للأبــد‪...‬‬       ‫مــن حــا ٍل إلى حــال‪ ،‬وحــن يلهمــك اللــه الدعــاء تي ّقــن أنــه أراد ســاع‬

                                                                    ‫بهــذا القــدر‪.‬‬
   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26