اختتم برنامج التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا، أعمال المؤتمر الطلابي الثاني للبرنامج بعنوان: "الذاكرة والتاريخ". أقيم المؤتمر خلال الفترة 12 - 13 نيسان/ أبريل 2023 بمشاركة مجموعة من الباحثين وطلبة وخريجي معهد الدوحة للدراسات العليا. وحسب الورقة الخلفية للمؤتمر فإن موضوع الذاكرة والتاريخ فتح حقلًا معرفيًا جديدًا على المؤرخين المحترفين، يسعفهم على مساءلة الذاكرة في سرديّاتها من خلال توظيف آليات ابستمولوجية في إعادة تقييم تلك السرديات.
وفي تعليق له حول المؤتمر، قال الدكتور عصام نصار، رئيس برنامج التاريخ في المعهد، إن هذا المؤتمر الطلابي ينعقد بمبادرة الطلبة في البرنامج وتنظيمهم، وقد أصبح تقليدًا سنويًا نعتز به. وأضاف نصّار أن المؤتمر يناقش هذا العام موضوع الذاكرة والتاريخ، وهو حقل مهم في الدراسات التاريخية والإنسانية عمومًا، ويشكل حقل دراسات الذاكرة مجال بحثي معرفي جديد نسبيًا يربط ما بين سرديات الذاكرة والقدرة على التحقق منها والكتابة التاريخية الرصينة، مشيرًا إلى أن المؤتمر هذا العام يشارك فيه طلبة من البرنامج والمعهد وخريجين سابقين إضافة إلى باحثين من العالم العربي.
وبحث المؤتمر -الذي ضم أربع جلسات- في عدة محاور أبرزها، الذاكرة والتاريخ، الحروب والنكبات بين سندان الذاكرة ومطرقة التاريخ، الكتابات الإخبارية والذاكرة: إعادة تقييم السرديات القديمة، الروايات الشفوية كمصادر تاريخية، إضافة إلى السير الذاتية والمذكرات السياسيّة بين الذاكرة والتاريخ، الدولة والمجتمع: ذاكرتان مختلفتان، والذاكرة الفردية والذاكرة الجماعية.
وجاءت الجلسة الأولى بعنوان "الذاكرة والتاريخ: تجارب مغربية" وفيها قدم إسماعيل عطية، طالب في برنامج التاريخ، ورقة بحثية حول الذاكرة التاريخية ومسألة التجاوز: "معركة الأرك نموذجًا" متناولا في ورقته مفهوم الذاكرة التاريخية ومسألة التجاوز على مستوى بناء سردية تاريخية تتحكم فييها ثنائية الذاكرة والنسيان، وذلك بتقديم دراسة حول ثلاثة أصناف مصدرية وهي: النصوص الإخبارية، والنصوص والأبحاث الأكاديمية التركيبية، إضافة إلى دراسة بناء ذاكرة جمعية عبر تحليل وتمحيص الكتب والمقررات الدراسية التي أنتجتها الدولة.
وضمن الجلسة نفسها، تطرق عدنان القرسي، خريج برنامج التاريخ، إلى مداخلة تحت عنوان: "التجربة المغربية من الذاكرة الجماعية إلى الذاكرة الوطنية" محاولًا في مداخلته رصد تقاطعات وتمفصلات كل من الذاكرة والتاريخ، ومشيرًا إلى أن إشكالية العلاقة بين التاريخ والذاكرة لا تزال قائمة، وستظل كذلك ما دامت الأحداث التاريخية دائمة الحضور.
أما في الجلسة الثانية والتي حملت عنوان "دراسات في الذاكرة الجماعية: الفنون والسيمائيات في إطار ذاكراتي" تناولت منى المصدر، طالبة في برنامج الأدب المقارن، ورقة بحثية بعنوان: "فعل اللجوء في التطريز الفلسطيني" مشيرة إلى أن التطريز الفلسطيني من أهم الأدوات الحالية للتعريف بفلسطين ورمزيّتها، لأن الفلسطينيين حملوه أينما ذهبوا سواء في ثوب أو حتى عبر خريطة فلسطين مطرزة ومعلقة في مدخل بيت اللجوء.
بعد ذلك، تطرقت عائشة القلالي، أستاذة مساعدة للتعليم العالي بجامعة تونس إلى بحث بعنوان: "الرصيد الغنائي التونسي خزّان التاريخ والذاكرة الجماعية" مقدمة لمحة عن المخزون التاريخي الذي تحمله الأغنية الشعبية في تونس، وعن قدرة الأغنية على التحوّل من تعبير فنيّ ذاتي، إلى وثيقة إخبارية تعكس الوعي الجماعي وتحمل الذاكرة المشتركة للمجتمع. لتختتم الجلسة الثانية، بورقة من تقديم د. إبراهيم البو عبدلاوي، باحث في السيميائيات والأنساق الثقافية حول الذاكرة الفردية والجماعية من الفلسفة إلى السيميائيات، ناقش فيها جانبًا مهمًا من تاريخ الفكر الغربي.
وبحثت الجلسة الثالثة موضوع "الذاكرة المحلية والذاكرة المركزية: توتّرات وصراعات" وفيها ناقش زياد الحسناوي، خريج برنامج التاريخ، إشكالية الذاكرة والتاريخ، من خلال مذكرات القائد عبد الرحمن الشهبندر في مرحلة الثورة السورية الكبرى 1925-1927، وكيف كتب مذكراته مقارنةً مع المصادر والمراجع التاريخية التي دونت الثورة السورية الكبرى.
وحاول شاكر تبهوت، خريج برنامج التاريخ، في مداخلته دراسة تمثلات المغاربة حول المقاومة التي عرفتها منطقة شمال المغرب بين 1921 و1926، والمعروفة بالمقاومة الريفية. وذلك بالتركيز على صورة زعيمها محمد بن عبد الكريم الخطابي في الذاكرة المغربية. أما أبوبكر أحمد أباجي، طالب في برنامج التاريخ، فقد تطرق في ورقته المعنونة "الحرب الأهلية في نيجيريا "بيافرا" بين الذاكرة والتاريخ" إلى قضايا هذه الذاكرة ومحطات استحضارها في تشكّلاتها المتنوعة وتذبذبات خطاباتها المحمّلة بكوامن أيديولوجية ومضامين طموحة لها الأثر القويّ في تشويه التاريخ والتشبّث به.
واختتم المؤتمر بجلسة تحت عنوان: " شخصيات وسير ذاتية بين الذاكرة والتاريخ" وفيها ناقشت د. زينب المنسي، مؤرخة مصرية وأستاذة التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الإسكندرية، أسطورة سيدي ياجا بين المصادر التاريخية والرواية الشفوية. أما خالد المعاضيد طالب في برنامج التاريخ، فقد ناقش موضوع "الذاكرة الجمعية ودورها في صناعة الكتابة التاريخية بالجزيرة العربية: ابن بشر نموذجًا" وحاول المعاضيد في مداخلته تتبع دور الذاكرة الجمعية في"صناعة" الذاكرة التاريخية، وبالتالي التأثير في الكتابة التاريخية. لتختتم جلسات المؤتمر بمداخلة من تقديم د. عمرو محمد عبد المنعم حول "السيرة الذاتية والمذكرات.. الحكي على أنقاض التاريخ".
جدير بالذكر أن المؤتمر الأول لبرنامج التاريخ كان قد عقد في 12 نيسان/ أبريل 2022، وناقش موضوع كيف يدرس المؤرخ الزمن الراهن.