يسرني وقد تلقينا خبر حصول معهد الدوحة للدراسات العليا على الاعتماد المؤسسي الدولي في شهر فبراير من هذا العام (2023) عبر هيئة ضمان الجودة البريطانية (QAA)، أن أزف التهنئة لأسرة معهد من أساتذة وطلاب وإداريين، ولخريجينا وشركائنا وأصحاب المصلحة في قطر وخارجها، بهذا الإنجاز المقدر. ويزيد من أهمية هذا الحدث أن سبعة من برامج المعهد قد حصلت سلفاً على اعتماد دولي منفصل، وأن سبعة أخرى في طريقها الآن لتحقيق الاعتماد قبل نهاية العامل الأكاديمي الجاري. وهذا مصدر فخر لكل أسرة المعهد، التي عمل أفرادها بلا كلل لتحقيق هذا الهدف. 

ولا شك أن هذه مساهمة أخرى في تعزيز مكانة المعهد الدولية والإقليمية، حسب مقتضى رؤية وضعت على رأس الأهداف الاستراتيجية "تحقيق التميز العالمي عربيًا، والتميز العربي عالميًا." فالمعهد يتعاون مع المؤسسات العلمية في قطر والوطن العربي لرفع مستوى التعليم العالي عربياً لمضاهاة أعلى المستويات الدولية، ويجتهد في نفس الوقت لعكس صورة إيجابية عن القدرات والمساهمات العلمية العربية عالميًا. وقد أصبح المعهد اليوم يتمتع بالاحترام الدولي، كما تؤكد الشراكات التي بناها مع الجامعات الأبرز في العالم العربي وافريقيا والأمريكيتين وأوروبا وآسيا. وقد التحق العشرات من خريجيه ببرامج دكتوراه في جامعات معروفة، كما يعمل الكثيرون منهم بتميز في مجالات مختلفة، أكاديمية وغير أكاديمية، في القطاعين العام والخاص في قطر والعالم العربي وخارجهما.

تزامنت هذه الإنجازات مع إطلاق المعهد مسار دراسات الدكتوراه بالمعهد هذا العام، محققاً بذلك أحد أهم أهداف المعهد الاستراتيجية في إتاحة مساحة متفردة لتدريس وتطوير الإنسانيات، والعلوم الاجتماعية والإدارية والاقتصادية. وقد تعزز هذا التوجه باستقطاب أساتذة متميزين من كافة أنحاء العالم، على أساس تنافسي مفتوح، تميزوا بالكفاءة العالية والحماس لهذه الرؤية. وبنفس القدر، استقطب المعهد كوادر إدارية تمتعت بالكفاءة والتفاني في العمل. هذا إضافة إلى فتح المعهد أبوابه، بصيغة تنافسية أيضًا، للطلاب من قطر وكافة أنحاء العالم العربي، وتوفير بيئة نموذجية لتلبية التطلع إلى كسب وتحصيل المعرفة وفق أفضل المعايير الدولية، مستفيدين من علم وخبرة أساتذة لهم طموحات مماثلة وإنجازات مشهود لها.

وقد أكدت الرؤية المتميزة التي قام عليها المعهد على البناء على أحدث إنجازات المعرفة الإنسانية المعاصرة، دون أن يتناقض هذا مع تبني نظرة نقدية تجاه منتجات العلوم الحديثة، ولا مع تعزيز الطموح لدى الدارسين والباحثين لتقديم مساهمات أصيلة ترفد هذه المعرفة وتطورها. فلا ينبغي أن يكون العرب بمثابة المتلقي والتلميذ، وإنما يجب أن يكون الهدف تحقيق الندية في مجال إنتاج المعرفة، خاصة ما يتعلق منها بواقعنا وثقافتنا ولغتنا. ولهذا فإن الشراكة الاستراتيجية بين معهد الدوحة والمركز العربي (ومعه معجم الدوحة التاريخي)، مهمة لتحقيق هذه الأهداف. ويتم ذلك عبر تبني اللغة العربية كلغة تدريس، دون أن يعني ذلك إهمال اللغات العالمية، خاصة اللغة الإنكليزية، التي يشترط إتقانها للقبول. وتنطلق هذه السياسة اللغوية من إيمان بأن توطين العلوم عربيًا، وتطوير اللغة العربية كأداة تعليم وتعلم، هما مفتاح النهضة العربية. وتهدف الشراكة إلى تحفيز البحث، وتنظيم الملتقيات العلمية، وإنتاج دراسات رائدة في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانيات.

ولا تقتصر مساهمات المعهد على الجانب النظري، بل تعطى أهمية كبيرة للجانب العملي، خاصة في تخصصات مثل علم النفس، والعمل الاجتماعي، ودراسات النزاع والعمل الإنساني والصحافة. فهنا يعتبر التدريب العملي جزءًا لا يتجزأ من الدراسة. وللجانب اعلمي أيضاً مكانه في مجال الإدارة العامة والسياسات العامة واقتصاديات التنمية، حيث تتضمن المقررات التدريب العملي.  وقد أطلق المعهد كذلك عددًا من البرامج التنفيذية في مجالات الإدارة العامة، والدبلوماسية، إضافة إلى برنامج تنفيذي مزدوج في إدارة الأعمال والإدارة العامة، بالاشتراك مع المدرسة الأوروبية للإدارة والتكنولوجيا في برلين (The European School of Management and Technology, ESMT). ويساهم الدعم في المجال العملي في تعزيز سياسة المعهد في التفاعل مع المجتمع القطري، وخدمة المجتمع، وهو هدف محوري آخر من أهداف المعهد.

نرحب بكم جميعاً في رحاب هذا المعهد، ونتطلع إلى الترحيب بفوج جديد من طلاب الماجستير والدكتوراه للعام 2023-2044، مع تمنياتنا بالتوفيق 

وهذه بالطبع مناسبة لكي نزجي الشكر لدولة قطر وقيادتها وشعبها المضياف على الدعم الكبير الذي ما كان هذا المشروع ليقوم ويحقق النجاح بدونه. ولا نعني هنا فقط احتضان قطر للمعهد، وتوفير مقومات نجاحه، ودعمه ماديًا ومعنويًا. فمعروف أن إقامة مؤسسة علمية بهذا الحجم والطموح لا تتحقق بمجرد توفير المباني والدعم المالي. فلا بد فوق ذلك من توفير مناخ يتيح للعلم أن يزدهر وينمو. وهذا ما توفره قطر بتبنيها سياسة تعطي العلم مكانته. ومن هذا المنطلق فإن نجاح المعهد يعتبر إنجازًا آخر لقطر، يعزز من موقعها كفضاء رائد لتطوير التعليم وتجويده.


الدكتور عبد الوهاب الأفندي

رئيس المعهد ونائب الرئيس للشؤون الأكاديمية